chechar :: عضو مميز جدا ::
الجنس : عدد المساهمات : 451 الدولة : (-_-)*ششار*(-_-) تاريخ التسجيل : 02/05/2011 العمر : 31
أنشر وشارك :
| موضوع: عجيب أمر هذا الإنسان السبت 18 يونيو 2011 - 12:58 | |
| عجيبٌ أمر هذا الإنسان. رقيق حنون عطوف رؤوف جداً.. في أمريكا يتوقّف المرور لأنّ قطّة خطر لها أن تتمخطر ببطء عبر الطّريق.. و يتجمّع النّاس حول كلب مكسور السّاق وقع من الدّور السّابع و تتسابق البلاغات إلى بوليس النّجدة و إلى جمعيّة الرأفة بالحيوان و إلى جمعيّة الكلاب الضالّة و يأتي طابور من العربات و يتحرّك الموكب حاملا الكلب الجريح إلى مستشفى الكلاب و يظهر ا...
هذا الإنسان الرّقيق الحنون العطوف الّذي تحرّك وجدانه و تحرّكت صحافته لكلب جريح.. هو نفسه و هو عينه الّذي يلقي قنبلة ذريّة على هيروشيما و ناجازاكي.. يقتل فيها و يجرح و يشوّه سبعة ملايين ضحيّة آدميّة بشريّة.. ما يزال بعضها يجرجر حياة بائسة مفعمة بآلام سرطان العظام و المثانة و الكلى و الجلد.. بينما هو الإنسان القاتل المحترف مايزال مستمرّاً في حرفته الرّهيبة، و قد تطوّرت صناعة الموت على يديه من قنابل ذرّيّة إلى قنابل هيدروجينيّة إلى قنابل نيوترونيّة إلى قنابل ذريّة نظيفة.. و تأمّلوا معي كلمة (( نظيفة )) أي تقتل قتلا نظيفاً دون أن تترك مخلفات إشعاعيّة.
و مصنع الموت أو البنتاجون ينفق على صناعة الموت أضعاف أضعاف ما ينفق في مشاريع التّنميّة و أضعاف أضعاف ما ينفق على الحياة و العلاج و البناء و التّعمير.
لا تتسرّعوا و تتّهموا هذا الإنسان في عقله.. فهذا الإنسان لا يمكن اتّهامه بنقصان العقل؛ فهو قد عبر الفضاء و مشى على القمر و أرسل سفناً إلى المرّيخ و الزّهرة و المشتري و أرسل أقماراً صناعيّة إلى الشّمس.. و هو قد ابتكر أجهزة يتسمّع بها إلى همس الأمواج على أطراف المجرّة..
و هو صاحب تاريخ حافل بالفكر و الفلسفة من سقراط إلى برتراند رسل، فهو إذن ليس ناقص العقل.
إذا كيف نفهمه و هو ينتقل من النّقيض إلى النّقيض في لحظة؟.. و هو يتحوّل من الحنان إلى الوحشيّة و من العقل إلى الجنون و من الشّهامة إلى الغدر و من العبقريّة إلى الحمق..؟
من هو ذلك الإنسان اللّغز؟..
الزّوجة الّتي تخون زوجها القوي المكتمل مع رجل ضعيف عاجز جنسياً.. و الرّجل الّذي يمزّق زوجته بسكّين و يقول باكيا.. قتلتها لأنّي أحبّها.. و الأوروبيّ المتمدّن تأتيه المدنيّة بالعلم و وسائل التّرف و الرّاحة و النّظافة و العناية الطّبيّة و الحياة الحافلة بالمشوّقات و المشهيات و السياحات الممتعة بطول الأرض و عرضها فيقابل هذه النّعمة بالعكوف على المخدّرات و الإرهاب و العنف و الانتحار.
و مريض القرحة يشرب السّجائر و في التّدخين هلاكه. و الطّبيب العليم الخبير يشكو الكبد و يشرب الخمر و فيها دماره.. هو ليس نقص علم و لا نقص عقل فهو طبيب يعرف ما هي الخمر و ماذا تفعل في البدن.. و تراه في عيادته ينصح مرضاه بعدم تعاطي الخمور.. ثم تراه يشربها في بيته. و الكثرة على هذه الحال.
الغالبيّة بهذه الصّورة من التّناقض و التّقلّب و عدم الإتّزان و اضطراب المزاج و اضطراب الأفعال و التّباين بين الأقوال و الأعمال.. و الخلاف بين الظّواهر و البواطن و المفارقة بين السّر و العلن و التلوّن و التغيّر و التبدّل..
و الأقلية القليلة.. و ربما أقلّ من القليل.. هم أهل الكمال.. الأطهار في السّر و العلن.. الأبرار يداً و قلباً و ضميراً.. أهل الثّبات الّذين لا يتغيّرون و إن تغيّرت حولهم الدّنيا.. و لا يتبدّلون و لو أغرتهم الغوايات و جاذبتهم المغريات.
الواحد منهم حضارة. لو عثرت عليه في الأدغال و بين البدائيّين فهو حضارة و هو قد سبق الّذين مشوا على القمر.. فهو صاحب المشوار الأطول و الأشقّ فهو قاهر نفسه.. و هو مؤشّر التّقدّم الحقيقي.. بين الكثرة الكثيرة الّتي تفعل ما لا تقول و تقول ما لا تفعل و هو المميّز الّذي له سحنة نفسيّة بين أغلبيّة غالبة هي على ما قلنا من الإضطراب.. ليس لها سحنة و لا وجه.. و إنّما هي تتقلّب مع الأحوال و الأوقات و المصالح و تتبدّل مع اللّحظات و تنتقل من النّقيض إلى النّقيض و من الموقف إلى ضدّه.
و هؤلاء هم أهل الهوى. و أغلب النّاس أهل الهوى. و لا يقرّ لأهل الهوى قرار. لأنّ الهوى لا يقرّ له قرار.
و هم مؤشّر تخلّف و إن لبسوا الحرير و تقنّعوا بالشّهادات و تفاخروا بالتّكنولوجيا و الإختراعات.
فالسّؤال بالنّسبة للإنسان ليس ماذا جمع من مال، و لا ماذا حصّل من علم، و لا ماذا شيّد و لا ماذا اخترع.. و لكن ماذا صنع بنفسه أوّلا.. ذلك هو الإنجاز الأوّل.. و هو الأساس الّذي سوف يبني عليه كلّ ما يأتي بعده..
و هو الأساس الّذي يكون به تقييم كلّ شيء.. و هو ما نسمّيه بالأخلاق.
يقول الله تعالى لمحمد عليه الصّلاة و السّلام في القرآن: ( و إنّك لعلى خلق عظيم ). لم يقل له (( و إنّك لعلى علم عظيم )). فقد رأينا العلم في أمريكا و أوروبا و روسيا و ماذا يصنع بدون خُلُق.. و رأينا أنّ الصّعود الصّعب هو أن تصعد على نفسك و تملك ناصيتها و ليس أن تصعد إلى القمر و تمشي عليه.
و لهذا تحدّث القرآن عن المؤشّر الحقيقي و الأزلي للعظمة الإنسانيّة و هو العظمة الخُلقيّة.. أمّا الأمجاد الأخرى فهي أمجاد قابلة للتّقليد، ألم تقلّد اليابان التّكنولوجيّة الأمريكيّة في سنوات قليلة و تتفوّق عليها و تزاحمها في جميع الأسواق؟؟؟
فمن استطاع أن يقلّد النّبيّ في كمالاته الخُلقيّة.. و من استطاع أن يفوقه..؟؟
ذلك هو المعراج المستحيل على عامّة النّاس و جماهيرهم.. لا يصعده إلاّ نبيّ.. و لا يقوى على السّير فيه إلاّ أفراد هم الصدّيقون و الشّهداء و الأبرار و الأوليّاء.. و هم معدودون في كلّ أمّة و في كل عصر.
بهم تقوم أركان الدّنيا و يحفظ الله ببركتهم الأرض. و بانقطاعهم.. يهدّم الله عمارة الكون.. و يقيم القيامة.. حينما لا تبقى إلاّ حثالة لا تستحق أن تطلع عليها شمس.
المصدر: كتاب (( هل هو عصر الجنون؟؟؟ )) للدّكتور مصطفى محمود
| |
|
sifo40 :: عضو ذهبي ::
الجنس : عدد المساهمات : 898 الدولة : CheCher تاريخ التسجيل : 25/01/2011
أنشر وشارك :
| موضوع: رد: عجيب أمر هذا الإنسان الأحد 19 يونيو 2011 - 17:35 | |
| شكرا جزيلا على الموضوع الرائع أخي chechar ننتظر جديدك الحلو تقبل تحياتي سيف الدين | |
|
chechar :: عضو مميز جدا ::
الجنس : عدد المساهمات : 451 الدولة : (-_-)*ششار*(-_-) تاريخ التسجيل : 02/05/2011 العمر : 31
أنشر وشارك :
| موضوع: رد: عجيب أمر هذا الإنسان السبت 9 يوليو 2011 - 18:39 | |
| | |
|